سلطة القضاء والتحکيم الدوليين في إتخاذ إجراءات تحفظية (مؤقتة).

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ القانون الدولي العام المساعد - کلية الدراسات القانونية- جامعة فاروس

المستخلص

من المعروف أن المجتمع الدولي عرف القضاء الدولي الدائم مع تأسيس المحکمة الدائمة للعدل الدولي عام 1920 کهيئة مستقلة عن منظمة عصبة الأمم، إلى أن حلت محلها محکمة العدل الدولية عام 1945، وأعقب ذلک إنشاء العديد من المحاکم الدولية. ويأتي تکاثر المحاکم الدولية تلبية لتزايد المنازعات الدولية وتنوع موضوعاتها تنوعا کبيرا، هو التزايد الذي يعود ليس فقط إلى تزايد عدد الأشخاص والفاعلين الدوليين، بل إلى تعدد موضوعات القانون الدولي العام کنتيجة طبيعية ومنطقية لامتداد أحکامه وقواعده لتشمل موضوعات ومجالات کانت تعد في الماضي من صميم الاختصاص الداخلي للدول.
ومما لاشک فيه أن العدل لايتحقق إلا من خلال احترام أحکام القضاء الدولي وتنفيذ يترتب عليها من التزمات وحقوق. خاصة وأن النظام القضائي الدولي يعتبر من أهم الوسائل الدولية السلمية وأکثرها عدالة في حل المنازعات الدولية، لانه يتولى أمره قضاة تتوافر فيهم النزاهة والکفاءة والحيدة  التامة، وهذا الوضع يضمن صدور حکمهم في إطار من الإجراءات الرامية إلى إحقاق الحق و إزهاق الباطل، وهذا يجعل القضاء الدولي يحتل مکانة لاينازعه فيها أي وسيلة أخرى من وسائل تسوية المنازعات الدولية. ولذا کان من الطبيعي أنه لدى لجوء الدول إلى القضاء الدولي فإنه يجب أن ترضخ وتقبل  أحکامه، لاسيما وأنها لجأت إليه بمحض إرادتها  واختيارها.  والحکم القضائي سواء کان حکم تحکيم أم حکم قضاء له أهميته في حل وتسوية المنازعات الدولية ممايؤدي إلى حفظ السلم والأمن الدوليين والذي يعد الهدف الرئيسي من إنشاء الأمم المتحدة، وهو بذلک يعد وسيلة سلمية تحقق هذا المقصد بأسلوب عادل وبحکم ملزم ونهائي  لأطراف النزاع مما يجنبهم اللجوء إلى القوة  وأخطارها.
والجدير بالذکر أن النظام القضائي الدولي له ظروف وملابسات أدت إلى عدم تماثله وتشابهه بالنظم القضائية في القوانين الداخلية. وبالتالي يصعب إجراء المقارنة والقياس ونحن بصدد دراسة تلک القواعد الدولية وعلى وجه الخصوص في شقها المتعلق بالاستئناف والطعون. وهذا ما أکده جانب من الفقه بالقول أن «التفرقة بين طرفي الطعن العادية وغير العادية قد تکون مقبولة بصفة عامة في إطار الأنظمة الإجرائية القانونية الداخلية. بيد أنها لاتلعب دورا حاسما على الصعيد الدولي». ويتميز النظام القضائي الدولي بقواعد إجرائية عرفية، اعتادت عليها الدول خلال تاريخ النزاعات فيما بينها. والمبدأ العام الذي يحکم النظام القضائي في محمله يتمثل في مرونة هذا النظام التي تتواءم مع التطورات المتلاحقة لهذا الفرع من فروع القانون الدولي العام. ومن أهم المميزات التي التي تبرز ذاتية النظام القضائي الدولي هو أن إرادة الدول أساس الالتجاء للمحاکم الدولية. إذ يمکن القول أن المبدأ العام في القانون الدولي هو أن أي خلاف لايعرض لتسويته بواسطة القضاء إلا إذا وجد رضاء سابق من الدول المعنية على ذلک. فمن البديهي بموجب القواعد الأساسية للقانون الدولي العام أن الدولة لاتمتثل أمام القضاء الدولي على غير إرادتها في نزاعها مع دولة أخرى، وينبغي أن تعبر عن إرتضائها للمثول صراحة . ثم برز مصطلح التحکيم الدولي في سماء القانون الدولي ليکرس هذه الطبيعة الرضائية، والذي يقوم في معناه ومبناه على مبدأ سلطان الإرادة، وأصبح التحکيم الدولي نظاما قضائيا عالميا يجسد أحد شطري الوسائل القضائية لتسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية .
 

الكلمات الرئيسية