أحکام إعمال الأثر الرجعي لبطلان وفسخ عقد الايجار - دراسة مقارنة بين القانون المدني والفقه الإسلامي

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

دکتوراه في القانون الخاص – کلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر أستاذ القانون الخاص المشارک بکلية الأنظمة والدراسات القضائية الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

المستخلص

إن أنواع العقود تختلف بعضها عن بعض في الأساس الذي تقوم عليه، والموضوع الذي تهدف إليه، والخصائص التي تمتاز بها، والصفات والأحکام التي تعتريها، وغير ذلک من الاعتبارات الشرعية والقانونية .
ومن أنواع العقود ما يعرف بالعقود الفورية والعقود المستمرة، فالعقود الفورية : هي التي لا يحتاج تنفيذها إلى زمن ممتد يشغله باستمرار بل يتم تنفيذها دفعة واحدة في الوقت الذي يختاره العاقدان، أما العقود المستمرة، وتسمى أيضًا العقود الزمنية، والعقود الممتدة : فهي التي يستغرق تنفيذها مدة من الزمن، بحيث يکون الزمن عنصرًا أساسيًا في تنفيذها، کالإجارة .
فالعقود الزمنية بطبيعتها تستعصي على الأثر الرجعي، وقد نصت المادة ة 270/1 مدني مصري على القيد من الاستثناء الوارد على الأثر الرجعي للشرط، بقولها : "إذا تحقق الشرط استند أثره إلى الوقت الذي نشأ فيه الالتزام إلا إذا تبين من إرادة المتعاقدين أو من طبيعة العقد أن وجود الالتزام، أو زواله إنما يکون في الوقت الذي تحقق فيه الشرط".
    وتعتبر العقود الزمنية أهم وأشهر تطبيق لهذا الاستثناء،   فالأثر الرجعي للفسخ هو المقصود بإعادة المتعاقدين الي الحالة التي کانا عليها قبل التعاقد عند فسخ العقد، والاستثناء الوارد عليه وسريان هذا الأثر بالنسبة للمتعاقدين وبالنسبة للغير ومداه، وقد ذهبت إلي أن هذا الأثر قاصر علي الملکية بالنسبة للبائع دون الحيازة لاختلاف المحل في کل منهما وطبيعته القانونية، باعتبار أن حق الملکية حق جامع مانع يخول لصاحبه جميع المکنات علي الشيء، أما الحيازة فهي سيطرة مادية لشخص علي شيء أي أنها واقعة مادية وليست قانونية، ومن ثم لا يشترط فيها الاستناد إلي حق مشروع في الحيازة، فالحيازة في ذاتها يحميها المشرع ولو کان الحائز مغتصباً ولو کان حائزاً عرضياً يحوز لحساب صاحب الحق مثل المستأجر .
کما نصت المادة 160 من القانون المدني المصري علي أنه " إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان الي الحالة التي کانا عليها قبل التعاقد، فإذا استحال ذلک جاز الحکم بالتعويض"، وقد جاء بالأعمال التحضيرية للمادة بمذکرة المشروع التمهيدي أنه يترتب علي الفسخ قضائياً کان أو اتفاقياً أو قانونياً انعداماً يستند أثره فيعتبر کأن لم يکن، وبهذا يعود المتعاقدان في هذا العقد بعد أن تم فسخه إلي الحالة التي کانا عليها قبل التعاقد وأصبح رد کل منهما ما تسلمه بمقتضي هذا العقد .
ويترتب علي فسخ العقد زواله وانحلال الرابطة العقدية بأثر رجعي إلي وقت إبرامه، فتنعدم جميع الأثار التي تولدت عنه ويُعاد العاقدان الي الحالة التي کانا عليها قبل قيامه، فيلتزم کل منهما برد ما قد استوفاه نفاذاً للعقد، فيرد البائع إلي المشتري الثمن وفوائده ويرد المشتري إليه المبيع وثمراته، ولکن إعمال الفسخ لا يتوقف علي الرد لأن الرد نتيجة للفسخ، ويکون الرد علي أساس قاعدة استرداد ما دفع بغير حق.
فمن المقرر بالنسبة لعقد المدة أو العقد المستمر- الدوري التنفيذ- کالإيجار- أنه يستعصي بطبيعته علي فکرة الأثر الرجعي، لأن الزمن مقصود لذاته باعتباره أحد عناصر المحل الذي ينعقد عليه، والتقابل بين الالتزامين فيه يتم علي دفعات بحيث لا يمکن الرجوع فيما نفذ منه، فإذا فسخ عقد الايجار بعد البدء في تنفيذه، فإن آثار العقد التي أنتجها قبل الفسخ تظل قائمة عملياً ويکون المقابل المستحق عن هذه المدة له صفة الأجرة لا التعويض، ولا يُعد العقد مفسوخاً إلا من وقت الحکم النهائي الصادر بالفسخ لا قبله، ويعتبر الفسخ هنا بمثابة إلغاء للعقد في حقيقة الواقع .

الكلمات الرئيسية