حدود استبعاد أدلة تقنيات الذکاء الاصطناعي الجنائية والعلمية المتحصلة بطرق غير مشروعة "دراسة مقارنة بين النظامين الأنجلوسکسوني واللاتيني

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ مساعد بقسم علوم القانون والبحث الجنائي - أکاديمية العلوم الشرطية بالشارقة

المستخلص

         تختلف وسيلة استخلاص الدليل الجنائي عن وسيلة استخلاص الدليل العلمي ،فالوسيلة في الدليل الجنائي هي وسيلة إجرائية ظاهرية، کالمعاينة والرؤية، لمشاهدة مأمور الضبط القضائي من آثار للجريمة وشهادة الشهود والقرائن الاستنتاجية ،أما الدليل العلمي فإنه يواکب التطورات الکيميائية والتکنولوجية التي لم تکن موجودة في الماضي ،حيث يتجلى دور التکنولوجيا الحديثة في اکتشاف ما تعجز عنه الحواس البشرية، وکلما تطور العلم وأفرزت التقنية الحديثة أجهزتها ،کلما توافرت القدرة علي اکتشاف الآثار الخفية وفقاً لدقة الأجهزة وتطورها، فإذا کانت مثل هذه الوسائل تمثل إغراءً حقيقياً بالنسبة لرجال الشرطة والجهات الأخرى المعنية، لما تحققه من فعالية وسرعة في إنجاز التحقيقات الجنائية المطولة والمعقدة، فإنها في الوقت ذاته تقدم إغراءً ضخماً بالخروج عن حدود المشروعية وتغليب عنصر الفعالية ،فالدليل الذي لا يشوبه عيب ذاتي ويتمتع بطبيعته بقوة تدليليه فهو دليل مقبول، ولکن قاعدة الاستبعاد تطرح جانباً مثل هذا الدليل الذي شاب طريقة تحصيله، بحجة ردع رجال الشرطة عن ارتکاب المخالفات .
          وقادنا ذلک لتقسيم الدراسة لفصلين: الأول: المعالجة الإجرائية والفقهية لقاعدة استبعاد الدليل الجنائي أو العلمي غير المشروع. والثاني: الاستثناءات الواردة على قاعدة استبعاد الدليل الجنائي أو العلمي غير المشروع. ومنهما تتباين مواقف القانون والفقه والقضاء المقارنين تجاه تقييم الأدلة المتحصلة بطرق غير مشروعة، ويمکن تصور ثلاثة مواقف بشأن تلک الأدلة: الأول: تطبيق قاعدة الاستبعاد بصورة جامدة، حيث نستبعد کافة الأدلة المتحصلة خلافاً لما ينص عليه القانون، وذلک أياً کان وجه المخالفة، والثاني: طرح القاعدة جانباً والاکتفاء بأن يکون الدليل متعلقاً بالدعوي أو بالواقعة المراد إثباتها أياً کانت الطريقة التي تم استقاؤه من خلالها، والثالث: حل وسط لا يتبني قاعدة عامة لکل الحالات، وإنما يتوصل إلى حلول عملية تحددها ظروف کل حالة على حدة، بحيث يمکن قبول الدليل ذاته "غير المشروع " في حالات ورفضه في أخري، تبعاً لنتيجة الموازنة بين حاجة المجتمع لإدانة المجرمين من ناحية، ومصلحة المجتمع التي تقتضي بحماية الأفراد ضد تعسف الدولة من ناحية أخري ، فضلاً عن المثالب التي کشف عنها تطبيق قاعدة الاستبعاد للأدلة المتحصلة عن بعض الجرائم الخطيرة، وإفلات مرتکبيها من العقاب لأخطاء إجرائية ليس إلا، وإزاء ما يحدثه ذلک من تأثير سلبي على صورة العدالة الجنائية، في مواجهة موجات عاتية من الإجرام المعاصر مثل: جرائم الخيانة والتجسس والقتل والسطو والخطف بواسطة الجماعات المنظمة والجرائم الإرهابية ...إلخ.
وقد استبان لنا في تلک الدراسة أن السمة الغالبة من التطبيقات القضائية الجنائية المقارنة والحديثة تميل نحو التقليص والانکماش لقاعدة الاستبعاد، والتوسع في قبول الأدلة الجنائية والعلمية المتحصلة بتقنيات الذکاء الاصطناعي، والقاعدة أن ما تستعين به الشرطة في هذا الصدد يتعين أن يظل في الإطار العام للمشروعية في تحصيل الدليل. 
        وتوصلنا إلي أنه بات من الضروري مواجهة المشکلات العديدة والمعقدة، التي تثيرها قاعدة استبعاد الأدلة الجنائية و العلمية لعيب شاب طريقة تحصيلها في إطار أرحب، وبوسائل غير تقليدية، عينية وشخصية ،ولا شک أن تحقيق کل ذلک يستلزم حلولاً غير مألوفة وعزوفاً عن ممارسات قائمة، ومواجهات أکثر صدقاً مع النفس وأکثر تعبيراً عن الواقع، فالطريق إلى الإصلاح المنشود في محل الدراسة محفوف بغير قليل من المخاطر والمحاذير، ولکنه لا مفر منه إذا أريد للعدالة الجنائية الاحتفاظ بکبريائها ومصداقيتها أمام الجمهور، وأمام رجال القانون أنفسهم ،بالإشارة إلى المحاولات التشريعية والقضائية والفقهية للحد من تلک المثالب من ناحية، بالتوسع في قبول الأدلة المتحصلة من بعض الوسائل العلمية الحديثة من ناحية ثانية، والتوسع في قبول الأدلة المتحصلة من التنصت والرقابة الالکترونية من ناحية ثالثة، والتوسع في قبول الأدلة المتحصلة من التفتيش والضبط من ناحية رابعة والتوسع في قبول الأدلة المتحصلة بوسائل الإيقاع بالمتهم من ناحية خامسة.

الكلمات الرئيسية